السبت 23 نوفمبر 2024

الجزء الثاني رواية رائعة بقلم الكاتبة يسرا مسعد

انت في الصفحة 10 من 122 صفحات

موقع أيام نيوز

العملية الجراحية الناجحة على عكس كل التوقعات التي أجرتها منذ عام قابلها أخيرا وجه لوجه غير متشبثة بنظرة عبوس ولا متظاهرة بنوم عميق تقف أمامهترتجف بشبه إهتمام
هيا عامله إيه دلوقتي 
وبسخريته المريرة رد
لو تهمك أوي ادخلي اسأليها واتطمنى عليها 
زمت شفتيها وقالت
طالما أنت عاوز كده
عندها قاطعها پغضب بالغڠضب استعر به كلا فهو لن يطلب شفقتها على أمه
لاء أنا مش عاوز كده لكن لو يهمك أدي الأوضة وأدي الباب اكبرى ياسالي أنت مش لسه عيلة صغيرة
تحرك من أمامها لأنه كان يعلم جيدا أنه لا جدوى للحديث وأنها أبدا لن تطرق باب الغرفة وتدخل لتطمثن عليها كما تدعي الاهتمام وهو كان غير راغب بذلك المشهد نظراته لم تعجبها ولم تعجبه على حد سواء ما لهيتطلع إليها كأنها آخر إذ مرأة على ظهر الكون وهو الذي كان ساكنا في محراب زوجته الراحلة حتى بعدما توارت تحت الثرى عدلت عويناتها مرة أخرى وهي تحدث نفسها هكذا هم الرجال يدفنون الوفاء بقبور زوجاتهم ثم تابعت بصوتها الرخيم الهادىء
أنا بقترح نعجل بالشړا حتى لوكان التمن مبالغ فيه وإلا هنخسر أكتر بعد كده
وضعت القلم في إنتظار لرد فعل من جاسر الصامت على مدى ساعات النهار متجاهلة تماما تعلق أسامة بقسماتها واعتبرته اليوم كليا فقد عقله بعد رحيل زوجته وابنته الوحيدة بل منذ عودته مچنون وليس على المچنون حرج
أنا أول مرة آخد بالي من لون عينيكي 
عبارته شقت الصمت المخيم على الأجواء وكانت ببساطة تأكيدا على ذهاب عقله أيغازلها الآن ! هل ارتقت أفعاله الصبيانية منذ عودته لغزل صريح وبحضره أخيه الأكبر وضع هو الآخر قلمه بعصبية شديدة فيما كانت هي تجمع أوراقها المتناثرة على سطح طاولة الاجتماعات العريضة متجاهلة تماما ملاحظة أسامة الوقحة بنظرها شكرها جاسر بنبرة عملية مؤكدا عليها الأخذ بنصيحتها قيد الإعتبار وهو يصب نظراته الغاضبة والمرهقة على أخيه الأوسط الذي كان يخرج سېجارا رفيعا ويشعله في برود تام
على فكرة ماما تعبانة أوي 
تلك العبارة كانت كفيلة بإخراجه من عزلته الباردة التي كان يعتنقها من حين لاخر
مالها سأل بإهتمام
رمقه جاسر بنظرة لائمة وهو يقول
الدكتور بيقول أن الموضوع نفسي أكتر ومع ذلك هيغير العلاج
وأردف
وأنت بطلت تسأل عليها أو تزورها
همهم بإعتراض
ما أنت عارف
أيه الشغل ولا لون عيون درية !
ما أقساها سخريته كسوط يمر فوق ظهره يجلده وما أبغضها أنانيته انغمس بنفسه وچروحه ونسي المحيطين من حوله لقد أشفق على زوجته الراحلة من تحمل ويلات مرض أمه وكالعادة قام جاسر بتولي الأمر الذي انعكس سلبا على حياته واستقرارها ومزاج زوجته الشابة مكتفيا بزيارات متقاربة من حين لاخر وسؤال متصل ولكن بعد مصابه الأليم انعزل بحياته وتخلى عن مسؤلياته تجاه أمه وكم هو مر مذاق التقصير بحق من نحب ونهتم
هعدي عليها النهاردة
آشري إيه المفاجأة دي
أتمنى تكون مفاجأة لطيفة
أكيد طبعا يا بيبي هاه تحب أطلبلك إيه
مافيش داعى يا زياد أنا بس حبيت أسلم عليك قبل ما أسافر طيارتي كمان ساعتين
عقد حاجبيه بتعجب بالغ وقال بسخرية مريرة
لا والله وفجأة كده قررت تسافري وأنا إيه آخر من يعلم!
نظرت له بهدوءلم يتغير قط هي فقط أصبحت تراه الآن أفضل من أي وقت مضى
هوا فعلا حصل فجأة بابا تعبان شوية والتحاليل مش كويسة أوي حجزتله متابعه مع الدكتور بتاعه في ألمانيا الموضوع تم بسرعة ومكنتش عاملة ترتيب وقلت أهي فرصة
قام واتجه نحوها وهو لازال عاقدا الحاجبين يود استكشاف ما هيئتها المثالية الباردة وهي متمسكة بقناع جليدي أعلى قسماتها قائلا بتمهل
فرصة لأيه بالظبط
اقتربت منه وهي تعدل من ربطة عنقه قائلة بصوت خاڤت
اتطمن على بابا بنفسى المهم خد بالك أنت من نفسك
ابتسم وقال
متقلقيش عليا
فجأة وتركته بعدها مترنحا من أثرها ورحلت رحلت ولم يرى سوى ظلها يتخافت رويدا رويدا مع رحيلها بل ولم يرى دمعتها الحبيسة بعيناها والتي توارت خلف نظارتها الشمسية القاتمة  
يكاد حرفيا ېقتله ذاك الجنون الغاضب الذي يعتمل بصدره وأنفاسه الحاړقة بدلا من أن تمده بالأوكسجين ټخنقه! حل قليلا ربطة عنقه التي يلتزم بها لآخر النهار وهو يتطلع مجددا لصورة أخيه الأصغر الضاحك برفقة أحدى بطلات ماضيه المشحون وتأملها لقليل من الوقت لم تكن نظراته عابرة عشرة أعوام مضت بل إحدى عشر ليكون أكثر دقة لازالت كما هي بل ربما ازدادت جمالا وقسۏة خصلاتها الطويلة ربما تقاصرت للنصف لكن عيناها الفيروزية لازالت تتمتعان بالغموض الذي لا يخبو مع مر الزمان بل يزداد تألقا ورغم ذلك استطاع قراءة ماورائها بقليل من الجهد فمنذ ثالث لقاء لهما أفصحت عن حب جارف له وعلاقة استمرت أربعة أشهر ومع ذلك ببرود تخطاها نحو صالح العائلةلا أكثر لم يكترث لقلبها ولا دقاته التي خبتت مع هجرانه لها ولا لكبرايائها التي سحقها هو بعنفوان تام تحت مسمى كبريائي الأبقى والأعلى شأنا ففارق العمر بينهما كان يصل لعشرة أعواما كاملة ولكن لم يكن هذا العائق الوحيد بينهما بل كان والدها أمين

الزهري الذي كان يسعى لسحق اسم آل سليم بكل ما أوتي من قوة لتكون له اليد الأعلى  والان عيناها تتوهج نحو أخيه الذي
10  11 

انت في الصفحة 10 من 122 صفحات