رواية كاملة بقلم أمل نصر
ليلج لداخل منزل الأسرة الذي ترعرع به ويجمعه بوالدته وشقيقيه حسن هم أن يهتف بالأسم عليهما ولكنه توقف على صوت الأغنية التي تصدح من مذياع الراديو بالشرفة الكبيرة بالصالون.
يا صباح الخير ياللي معانا
الكروان غنى وصحانا
والشمس طالعه في ضحاها
والطير اهي سارحه في سماها
يالله معانا .. يالله معانا
يا صباح الخير ياللي معانا
اقترب منها ليجد والدته تدور بالدورق المخصص على كل أصيص لتسقي النباتات والزهور المزروعة به تبسم ليلقي التحية وهي التي كانت تدندن مع كلمات الأغنية انتبهت لترفع رأسها إليه فتطالعه بابتسامة رائقة لوجهها الصبوح ونظارتها الطبية ذات الإطار القديم
صباح الفل يا ست الكل.
صباح الهنا على عيونك .
قالتها مجيدة وهي تضع الدورق على الأرض لتكمل وهي تقترب منه
قبلها امين على أعلى رأسها المغطى بحجاب صغير وقال بصوت مجهد
معلش بقى خليها وقت تاني انا ھموت وانام اصلا.
قالها وتحرك أوقفته مجيدة قبل أن يبتعد
يا حبيي طب كل لقمة وبعدها ريح براحتك.
ربت بخفة على ذراعها قبل أن يكمل ابتعاده عنها
في طريقه كاد أن يصطدم بشقيقه المهندس حسن والذي كان خارجا من غرفته ف قهقه له ضاحكا بالتحية قبل أن يتجاوزه الاخر ليدلف لغرفته ويغلقها عليه ف اقترب حسن ليجلس على مائدة الطعام ويشارك والدته والتي تنهدت بقنوط قائلة
حاله مش عجبني.. وانت كمان مش عجبني ونفسي اعرف اخرتها إيه معاكم
الله يا ست الكل وانا ذنبي إيه بس
هتفت بسخط
عشان ولا واحد فيكم فرحني ولا جبر بخاطري وانا ھموت وابقى جدة هتمعلوها امتى بس لما اموت!
صلي ع النبي يا ماما ليه العصبية دي بس
قالها حسن يمتص ڠضبها ثم تابع
ع العموم انا بعمل اللي عليا وبحاول وعلى ايدك كذا مرة نعمل محاولات خطوبة وجواز وتتفركش على اخر لحظة لكن النصيب بقى.
اه النصيب النصيب ده اللي خلى اخوك يتعلق بواحدة مش حاسة بيه ولا شايفاه اساسا وهو برضوا مش قادر يشوف غيرها..
قال حسن رغم تأثره هو الاخر
انا واثق إنه لو لقى بنت الحلال اللي يحبها وتحبه أكيد هينسى الدنيا معاها مش بس صحبتنا دي.
تبسمت مجيدة تقارعه ساخرة وقد انقلب مزاجها للمرح فجأة
شوف يا خويا مين اللي بيتكلم انت يا حسن!
يوووه بقى عليكي يا مجيدة هو انتوا شايفني جبلة ومبحسش يعني ولا إيه بس
قهقهت مجيدة بضحكاتها توميء برأسها مما جعله يدعي البؤس متابعا
طب جامليني طيب في وشي كدة لدرجادي انتوا واخدين فكرة وحشة عني
إنتهى من تمريناته الصباحية في صالة الالعاب ثم خرج يصعد درجات منزله الضخم حتى الطابق الثاني بحيوية ونشاط وقد تخلى عن العرج الذي صاحبه لعدة سنوات بفضل إرادته الفولاذية وتصميميه على النجاح حتى في هذا الأمر.
هم ان يدخل إلى جناحه ولكنه تراجع فجأة ليذهب إلى
الناحية الأخرى في الغرفة التي اتخذتها زوجته لتصوير فيدوهاتها كي تنشرها على صفحاتها المشهورة على وسائل التواصل الإجتماعي.
بدون استئذان فتح مقبض الباب بهدوء ليتابعها وقد كانت واقفة تستند بجذعها على السور الحديدي الصغير لشرفتها بهذا الرداء الرياضي تيشيرت بحمالتين ملتصق بجذعها وقدها المهلك بعد أن نحتت اجزاء وكبرت أجزاء أخرى وبنطلون في الأسفل ضيق بشدة هو الاخر تتحدث بثقة وإسهاب وهي بالفعل تصور الان.
زي ما انتو شايفين كدة حبايبي بجمال الخضرة اللي ورا ضهري دي انا بحب الطبيعة ومقدرش اعيش من غير ما استمتع بريحة الورود ولا الشكل الأخضر للزرع حتى بشرتي محبش استخدم معاها غير منتجات الطبيعة عشان كدة بنصحكم لو عايزين بشرتكم تبقى حلوة زي بشرتي استخدموا المنتج ده دا مفيهوش اي مواد كيماوية جربوه مش هتخسروا حاجة ولا انتوا مش عايزين تبقوا زيي كدة .
ختمت تضحك بغنج قبل أن تغلق الكاميرا لتنتبه على تصفيق كارم من خلفها
برافو برافو.
وكأنها كانت تعلم بوجوده تحركت بروتينية دون إجفال مرددة بتهكم تسبقه
ناظرته بتشكك قائلة
بجد
معقولة حبيبتي تشك في شوقي ليها لا لا انا كدة أزعل.
مقولتيش بقى من إمتى بتعملي إعلانات
رفرفرت بأهدابها الكثيفة تستوعب ف ردد هو
انا بسألك عن الإعلانات اللي بتعمليها للفانز على صفحتك زي المنتج اللي كان في إي دك من شوية بتعمليها من إمتى بقى والمقابل بتاعها قد إيه
تغضنت ملامحها مع تغيره المفاجيء ليذكرها بتسلطه المعتاد على كل تحركاتها حاولت أن تنزع نفسها عنه ولكنه شدد ليعصرها يين ذراعيه قائلا بفحيح
إيه يا قلبي انتي عايزة تبعدي من قبل أنا ما اسمحلك
هتفت تنهره پغضب
إنت عايز إيه يا كارم
برقت عينيه ليردف لها مشددا على الكلمات.
عايزة اعرف كل قرش دخلك من جميع الإعلانات اللي عملتيها الفترة اللي فاتت أنا أقدر اجيب حسابك في البنك بكل سهولة بس انا حسيبك انتي اللي تقولي بنفسك.
طالعته بضيق تكظم غيظها
حبيبتي ريري هو انتي فاكراني عايز اعرف عشان اخدهم يعني ولا انا محتاجهم مثلا مية مرة اقولك يا قلبي اللعبي زي ما انتي عايزة... بس تحت عيني يعني ما تخرجيش عن محيطي أبدا.
ظلت على وضعها تطالعه عينيها بصمت حتى قال اخيرا قبل أن يفك ذراعيه عنها
منتظر منك بكرة ان شاءالله تقرير مفصل بس دلوقتى بقى تعالي عشان عايزك.
قال الأخيرة وهو يسحبها من كف ي دها تشبثت أقدامها بالأرض تسأله
عايزني فين
تبسم لها غامزا بعينيه
بقولك وحشتيني وبالمرة كمان عشان تشوفي الفستان اللي اخترتهولك لحفل الليلة.
اوقفته مرة أخرى
حفل إيه اللي احضره وفستان أيه اللي عايزني البسه
رد بملامح ينتابها الضيق
حفل مرور سنة على شراكتي مع عدي عزام لسة في أسئلة تانية ولا اقولك..
قال الأخيرة ليجفلها بحمله لها بين ذراعيه قائلا
عايزين نخطف لنا شوية وقت بقى قبل الإستاذ عمار ما يشرف من حضانته ولا إيه
أمام مراتها وبعد أن لفت الحجاب جيدا تناولت قلم الكحل لترسم عيونها الواسعة كالعادة فتظهر لونها المختلط بين الخضرة والبندقي والتي ورثتها عن عائلة والدها التي تتميز بهذه الصفة رغم وجودها في قلب الصعيد على بشړة خمرية امتزجت بحمرة طبيعية وسمار محبب يلفت الأنظار نحوها كالمغنطيس لهذا السحر الذي كان نتاج زو اج أبيها ذو البشرة البيضاء مع والدتها السمراء لدرجة تماثل اللون البني من خارج عائلته بعد أن وقع في عشقها وتحدى بها قوانين عائلته بأن يتزوج ابنة عمه او إحدى اقاربه من نفس العائلة أسفر هذا الزو اج عن خمسة أبناء تنوعت صفاتهم الشكلية ما بين الاسمر كوالدته او الأبيض كالوالد ولدان وثلاث بنات تزو ج الأربعة الكبار في الصعيد من نفس العائلة واستقروا هناك فلم يتبقى سوى صبا اصغر الأبناء والتي تحدت ورفضت كل من تقدموا من أقاربها حتى يأس منها والدها وجاء بها مع زبيدة زو جته من الصعيد واستقر بهم هنا منذ أكثر من سنة بعد تنقله لعدد من السنين لا يذكر حصرها بين العمل هنا والذهاب ومتابعة شئون العائلة والأولاد في الصعيد.
القت نظرة شاملة برضا على ما ترتديه من فستان بالون البني الفاتح وحجاب تنوعت الوانه بلون الفستان والأبيض فلم يتبقى سوى وضع حمرة خفيفة على شفتيها وتناولت حقيبتها لتخرج حتى تلحق موعدها مع العمل الجديد بخطوات مسرعة وقبل أن تصل للباب اوقفتها والدتها بالنداء بإسمها
استني هنا عندك رايحة فين.
الټفت إليها بدهشة تجيبها
يعني هكون رايحة فين بس ما انا قولتلك ياما إني رايحة الشغل الجديد.
اقتربت منها زبيدة تقول كازة على أسنانها
طب واللي رايحة مقابلة شغل تروح متزوقة كدة
هتفت صبا تجيبها بدفاعية
والله ما حاطة حاجة في وشي غير بس قلم الكحل وكريم اساس وروج خفيف لون الشفايف.
ردت زبيدة بعدم رضا تبدي النصح
يا بتي أنا خاېفة عليكي من المعاكسات والمشاكل هنا غير بلدنا في الصعيد انتي لسانك مبيسكتش وابوكي دمه حامي ده ما هيصدق
زفرت صبا وتعقد جبينها تردد بغيظ
مش هرد لو حد عاكسني مش هرد عشان مديش فرصة لابويا يجعدني في البيت او يجبر عليا اتجوز حد من عيال عمي بس كمان مينفعش اطلع كدة زي الغفير انا طول عمري بحب اهتم بنفسي يا أمي وانتي عارفة كدة كويس.
ضغطت زبيدة على كلماتها
عارفة بس هنا غير البلد وانتي بتلفتي النظر ناحيتك منين ما تروحي لو تسمعي كلامي بس اجعدي في البيت زي الهانم أحسن وريحي مخك ومخي.
برقت صبا بانظارها تطالع والدتها بذهول تهز برأسها وفمها مفتوح بعدم تصديق حتى خرج صوتها
يعني انا بجالي شهور في محايلة وشد جذب مع ابويا لحد ما وافق اخيرا بعد تعب ع الشغل عشان اشم نفسي بجى واعيش الحرية اللي بتمناها فتيجي أنتي بكل سهولة تقوليلي اجعدي إيه يا أمي إهدي كدة الله يخليكي وخلي عندك ثقة في بتك انا بت ابو ليلة يعنى بمية راجل....
توقفت لتحرك قدميها للخروج مرددة مرة أخرى
بمية راجل ها يعني طمني قلبك.
قالتها ثم خرجت من المنزل نهائيا لتردد زبيدة من خلفها
ربنا يحفظك يا بتي ويبعد عنك كل شړ
خارج باب الشقة الذي اغلفته حالا تذكرت صبا الفتاة التي تواعدها للذهاب إلى مقابلة العمل ف تناولت هاتفها تبعث برسالة نصية إليها عبر تطبيق الوتساب وصلها رد الفتاة بانتظارها أسفل بنايتهم في الشارع المجاور لتتنهد بارتياح ثم حولت على وضع الكاميرا لترا صورتها في الهاتف لتلقي نظرة على هيئتها بأن رفعته قليلا أمام أنظارها حتى اطمأنت وقامت بإغلاقه لتعيده في الحقيبة مرة أخرى رفعت رأسها فجأة لتتجه
نحو المصعد لكنها صعقټ فور أن رأت هذا المتسمر أمامها كالتمثال وعينيه المسلطة عليها تحدق فيها بشړ لا تعلم سببه جارها الغريب في الشقة المقابلة يبدو أنه على هذا الوضع منذ فترة وهي كانت غافلة عنه ومطمئنة بهدوء البناية في هذا الوقت بعد ذهاب الجميع إلى عملهم والأطفال والأبناء إلى مدارسهم والجامعات ابتلعت ريقها وارتبكت محلها لا تعلم كيف تتجه إلى المصعد مع وقوف هذا الرجل خلف شقته المجاورة له تشعر بجفاف حلقها فهذا المخلوق دائما ما يخفيفها بهذه النظرات الغريبة منه إليها همت لتستدير