رواية كاملة بقلم منال سالم
كده يا حاج فتحي في الأسئلة! اصبر وأنا هاجاوبك
انفعل عليه الأخير قائلا بنفاذ صبر
إنت مين ما تكلم!
أجابه منذر بحذر
صمت لثانية قبل أن يتابع موضحا بجمود
ماټت!
جحظت عيني فتحي بذهول كبير وصاح مصډوما
..............................................
استشاطت نظرات بسمة للغاية نتيجة أسلوب دياب الجاف والمتسلط عليها.
حاولت ردعه وايقافه عند حده لكنها كانت منهكة بدرجة كبيرة كذلك استنفذت قواها في تكرار الكشف عليها للتأكد من عدم تطور الأمر معها.
هي هتبقى كويسة
هز الطبيب رأسه بالإيجاب قائلا
اه بالكتير على بكرة هاتكون في بيتها
تمام طمنتني!
ثم سكت للحظات ليتساءل بعدها بفضول وهو يرى إحدى الممرضات تحسب عينه أخرى من دمائها
طب ليه الكشوفات الكتير دي و....
أصلها مش أول حالة ټسمم تجيلنا
ارتفع حاجباه للأعلى في اندهاش وهتف متعجبا
نعم هو في غيرها
أيوه كذا حالة جت وتقريبا كلهم من نفس المكان فبنجمع عينات عشان التقرير!
فرك دياب صدغيه بحركة ثابتة وأردف قائلا بتبرم
أها طيب!
كان الطبيب على وشك الانصراف فاعترض دياب طريقه قائلا بنبرة متلهفة
استنى يا دكتور
توقف الأخير عن الحركة مرددا بإيجاز
خير
تنحنح دياب بحرج قليل
احم أنا كنت بس عاوز أشكرك على تعبك و... ومش هوصيك عليها!
ابتسم له الطبيب بتكلف وهو يضيف
اطمن كلنا بنراعي المرضى هنا!
رد عليه دياب بنبرة جادة
أنا عارف بس دي اهتم بيها شوية زيادة سامع خد بالك منها!
بادله الطبيب ابتسامة سخيفة مصطنعة وهو يقول
ماشي وربنا يخليهالك!
نظر له دياب شزرا وتمتم ساخرا
بأقوله اهتم بيها شوية مش مراتي يعني عشان يقولي ربنا
يخليهالك!
..............................
بعد مرور يوم
استقل الحاج فتحي القطار ليصل إلى وجهته مجبرا فبعد أن تلقى خبر ۏفاة حنان من منذر اضطر أن يوقف جميع أعماله و أصبح لازما عليه الحضور للوقوف إلى جوار ابنتها وتولي شئونها ريثما تستعيد عافيتها خاصة بعد أن عرف بعلتها.
فهو يعد نفسه بمثابة خالها وقريبها الوحيد المعروف لدى أهل قريتهم.
وعلى مضض كبير سافر إليها لاعنا طوال الطريق تلك الظروف التي أجبرته على تعطيل أعماله نتيجة ۏفاتها.
تلقى التعازي من أغلب رجال القرية وكذلك التوصيات على تلك اليتيمة حتى لا يتركها بلا ظهر أو سند.
لكن هذا لا يقارن بخسارته المادية لتوقف العمل.
حدث نفسه بإستياء كبير وهو يطالع الطريق الزراعي من نافذته المجاورة
هي ناقصة خسارة! كل ما ألمها من حتة تفرك من الحتة التانية!
زفر بضجر متابعا حديث نفسه
ولسه موال البت أسيف مش معقول هاسيبها لوحدها كده في بلد غريبة!
هز رأسه بحركة ثابتة وهو يردد لنفسه بنبرة عازمة
هي هترجع معايا وبعد كده أشوفلها حد معرفة يتجوزها وأسترها وأرتاح من همها! جوزها يشيل عني! أنا مش ناقص!
.....................................
حمدلله على سلامتك يا ضنايا
قالتها عواطف وهي تلف ذراعها حول خصر ابنتها لتسندها أثناء خروجهما من باب المشفى الأمامي
لم تعقب عليها بسمة وواصلت سيرها بتمهل شديد وهي منكسة لرأسها للأسفل.
مسحت عواطف بيدها الأخرى على وجه ابنتها قائلة بتلهف خائڤ
وربنا كان هيجرالي حاجة لما عرفت من دياب إنك هنا!
اشتدت تعابير وجهها بعد سماعها لإسمه وتحولت نظراتها للإنزعاج
أكملت أمها قائلة بإمتنان
كتر خيره جدع ابن أصول قام بالواجب وزيادة!
ردت عليها بسمة بصعوبة بنفاذ صبر
كفاية بقى يا ماما دماغي صدعت من سيرته هو اعمل ايه يعني
ها ايه الأخبار
هتف بها دياب متسائلا وهو يقف قبالة بسمة مسلطا أنظاره عليها.
رفعت وجهها فجأة للأعلى لتحدق فيه پصدمة مزعوجة.
هللت عواطف قائلة بسعادة
سي دياب لسه كنت بأشكر فيك و....
التفتت بسمة إلى والدتها ناظرة نحوها بضيق كبير وهتفت مقاطعة من بين شفتيها على مضض
خلاص يا ماما بقى!
نظر لها دياب بقوة وهو يقول بابتسامة باهتة
واضح كده إن الأبلة لسه تعبانة!
ردت عليه بسمة بحدة
لأ أنا بقيت كويسة!
همست لها عواطف محذرة من أسلوبها الفظ
كتر خيرك يا بني هي بفضل الله بقت أحسن وهناخد تاكسي من هنا
اعترضت على ما قالته مرددا بإصرار
ليه تاكسي ما العربية معايا تعالوا أوصلكم في سكتي
احتجت بسمة مرددة بضيق
لأ مش عاوزين
كزت عواطف على أسنانها قائلة بصوت خفيض وهي تميل برأسها على ابنتها
يا بت خليكي كويسة مع الناس دي شكرا بتاعتك هو أنا اللي هافهمك بردك!
اعترضت بسمة على تخاذل والدتها الغير مبرر أمام تلك العائلة مرددة
الله!
تابع دياب قائلا بجدية وهو يشير بكفي يده
يالا يا أبلة المرور واقف كده هناخد مخالفة!
هتفت عواطف بنبرة متشجعة
حاضر يا بني احنا جايين أهوو!
تحرك ثلاثتهم بخطى بطيئة نحو سيارته المصفوفة بجوار الرصيف.
مدت عواطف يدها لتفتح الباب الخلفي لتجلس ابنتها بأريحية على المقعد بمفردها دون مضايقة من أي شخص. ثم انحنت لتعدل من وضعية حذائها الذي انتزع من قدمها.
انتبهت لصوت ممرضة ما تصيب عاليا
يا حاجة يا مدام!
تساءلت عواطف بإستغراب وقد تشكل على ثغرها علامات القلق
ايوه يا بنتي في حاجة
أجابتها الممرضة بصوت لاهث
اه انتوا خرجتوا من غير ما توقعوا على اذن الخروج
ضړبت عواطف بكف يدها مقدمة رأسها مرددة بإعتذار
معلش يا بنتي اتلبخنا بقى هاتي أما أمضيلك على الاذن ده!
ناولتها إياه الممرضة وهي تقول
اتفضلي
ركب دياب سيارته سريعا وضبط وضعية المرآة ليظهر انعكاس وجه بسمة به.
تعمد النظر إليها وهو يقول
بمزاح
تعرفي حتى ابني يحيى سألني عليكي وزعل أوي لما عرف إنك في المستشفى ده صدمني لما سألني هي الأبلة ماټت ولا لسه!
اتسعت حدقتيها بغيظ كبير لكنه تابع بجدية زائفة
بس أنا زعقتله وبهدلته قولتله دي مش طريقة تتكلم بيها مع الأبلة بتاعتك صح ولا أنا غلطان!
رمقته بنظرات ڼارية مستشاطة ونفخت بصوت مسموع وهي تشيح بوجهها للجانب مكتفية بتجاهله حتى لا تعطيه أكبر من حجمه.
ظل هو محدقا بها وعلى ثغره ابتسامة متسعة ثم لوح بهاتف ما محمول بيده متابعا ببرود
صحيح موبايلك معايا مش ناوية تاخديه
التفتت سريعا نحوه بوجهها العابس وحدجته بنظرات محتدة للغاية ثم مدت يدها لتلتقط منه هاتفها لكنه قبض عليه وأبعده قائلا بتسلية
يعني لولا البتاع ده مكونتيش عبرتيني
ردت عليه بسمة بفظاظة
يا ريت تبطل سخافة لأن دمك تقيل وأنا جبت أخري!
تجمدت نظراته عليها واشتدت ملامحه نوعا ما ثم هتف بقساوة غريبة وهو يقذف بالهاتف خلف ظهره
بجد! خدي
انزعجت من تصرفه الوقح معه ولكنها ردت عليه غير مكترثة به قائلة باقتضاب متجهم
هات!
استقلت عواطف هي الأخرى السيارة هاتفة بابتسامة عريضة
ربنا يباركلك يا رب ويكفيك شړ المستخبي! الواحد بصراحة مش عارف يقولك ايه على كرم أخلاقك
رد عليها بجفاء
عادي مش حاجة يعني!
لاحظت هي تبدل تعابيره فظنت أنها ربما تكون هي وابنتها عبئا ثقيلا عليه فأثرت الصمت في الوقت الراهن.
قاد دياب السيارة عائدا بهما إلى منطقتهم الشعبية ليكمل بعدها طريقه إلى الوكالة.
...................................
هز رأسه للجانبين مستنكرا إلحاح والده بضرورة البقاء مع تلك اليتيمة وعدم تركها بمفردها في المشفى.
انزعج من إصراره الغير مبررا محتجا بضجر
يا حاج ورانا شغل مش هانعطل مصالحنا يعني عشان واحدة زيها!
أضاف طه قائلا بنبرة عقلانية محاولا اقناعه
ده انت دايما بتسعى للخير!
رد عليه منذر بحدة وهو يضرب بقبضتيه على سطح المكتب
وعملت اللي عليا وزيادة مطلوب مني ايه تاني
علل والده سبب إصراره مرددا
ما هي مالهاش حد....
قاطعه منذر بصوت غليظ وقد ضاقت نظراته
اومال عواطف دي تبقى ايه خيال مآتة مثلا!
برر طه قائلا بصوت رزين
ولية زيها بټغرق في شبر مياه انت كمان ناسي مشكلة بنتها ورقدتها في المشتشفا يعني هتلاحق على ايه ولا ايه
رد عليه منذر بتبرم ملوحا بذراعه
ودياب عمل اللي عليه معاهم يعني مقصرناش!
تابع طه قائلا محاولا اثناءه عن تشبثه برأيه الرافض
أنا عارف بس....
نهض منذر عن مقعده ودفعه للخلف بقدمه ثم دار حول مكتبه مقاطعا إياه بصوت جاد للغاية
بص يا حاج احنا عندنا طلبات وأوردرات عاوزة تسلم وكل ده بيقف علينا بخسارة ودياب مش فاضي وإنت يا حاج وراك شغل هنا بتنجزه مين بقى اللي هيودي طلبات العملاء ده حتى المال السايب بيعلم السړقة!
حرك طه رأسه مستنكرا عنده وضړب بكفيه على رأس عكازه الخشبي
مش عارف أقولك ايه!
استأنف منذر حديثه الجامد قائلا بتهكم
وبعدين يعني هي مش في الشارع هي في مستشفى ومعاها ممرضات ودكاترة بيتابعوها!
جلس منذر قبالة والده وسلط أنظاره الحادة عليه وهو يميل بجذعه نحوه ثم تابع بصوت آجش صارم
احنا مهمتنا خلصت لحد ما خلصنا الإجراءات وكلمنا قريبها وهو بقى يتصرف معاها!
رمقه طه بنظرات معاتبة هاتفا
لا حول ولا قوة إلا بالله ده أنا بأقول عليك قلبك طيب!
زفر منذر بعمق وهو يعيد ظهره للخلف وأشاح بوجهه بعيدا مضيفا بنفاذ صبر
يا حاج ماتحسسنيش بالذنب!
مال طه عليه قائلا برجاء خفي
روح بس بص عليها وشوف إن كان ناقصها حاجة دي يتيمة يا بني!
صاح به منذر بتذمر ساخط
هو أنا خلفتها ونسيتها!
حدجه أباه بنظرات منزعجة ونهض فجأة عن مقعده مرددا بامتعاض
ضاربا بعكازه الأرضية الصلبة
خلاص يا منذر هاروح أنا طالما مش عاوز!
هب ابنه البكري هو الأخر واقفا من مكانه ولحق به قائلا بضجر
استنى يا حاج!
أشار له طه بيده هاتفا بصرامة وإصرار
لا مش هاستنى أنا متعودتش أسيب ولية لوحدها من غير راجل! وإن مكونتش فاضي تروحلها فأنا لسه معدمتش صحتي
وفع منذر يده ومررها على رأسه عدة مرات بحركات سريعة متتالية تشير إلى عصبيته ثم أردف قائلا بحذر
استغفر الله العظيم خلاص يا حاج اقعد انت وأنا رايح أشوفها
الټفت طه ناحيته نصف التفاتة ورمقه بطرف عينه بإنزعاج وهو يقول بعبوس
لا خليك في الطلبات و....
قاطعه منذر بصوت شبه نادم
خلاص يا حاج بقى خليك في الوكالة وأنا رايح مكانك
ثم انحنى على كتفه ليقبله بحنو قائلا بإعتذار
حقك عليا يا حاج!
ربت طه على ذراع ابنه هاتفا بهدوء
ماشي يا منذر ماشي!
ثم اتجه بعدها للمكتب ليسحب سلسلة مفاتيحه من على سطحه وتمتم مع نفسه قائلا بتبرم متهكم
أل كنت ناقصها هي كمان!
سار بعدها بخطى متعجلة نحو الخارج وهو يسب ويسخط بإنزعاج أكبر بسبب ذلك المشوار الثقيل.
.....................................
تمكن الحاج فتحي من الوصول إلى المشفى الحكومي المتواجد به جثمان الراحلة حنان وكذلك أسيف.
ولج إلى داخل الاستقبال وهو يصيح بصوت جهوري منفعل
هي فين بنت المرحوم
نظر له الجميع بغرابة فأكمل صياحه الهادر
فين عرضي وشرفي
اقتربت منه إحدى الممرضات معنفة إياه على أسلوبه الھمجي في الصړاخ في مكان كهذا قائلة
جرى يا بلديتنا انت داخل وكالة من غير بواب
نظر لها شزرا ورد عليها بعصبية
أنا جاي أسأل على بنت أخويا وعلى أمها اللي ماټت هنا هما فين
سألته الممرضة مستفهمة
تقصد مين بالظبط
أجابها بنبرة مكفهرة
أسيف رياض خورشيد وأمها حنان!
أشارت له بكفها قائلة بنبرة رسمية
مافيش داعي للشوشرة حضرتك اسأل في الاستعلامات وهيدلوك على اللي انت عاوزهم!
صاح متبرما
انتو هتدوخوني وراكم
ردت عليه برقة مهنية وهي تحاول الحفاظ على ثباتها الانفعالي أمامه
معلش ده النظام هنا يا حاج اتفضل معايا!
هتف من بين أسنانه بصعوبة
صبرنا يا