رواية كاملة بقلم منى أحمد
الصمت حتى يعيدها وليخبرها أيا من أشقائها بخبر ۏفاة والدتها فترك مقعده واقترب منها بخطوات مهزوزة وأردف
.. أني جررت أرجعك لأهلك جومي همي لجل ما أوصلك لهناك.
ازداد خۏفها منه فملامحه القاتمة جعلتها تظنه ينوي التخلص منها وډفن جسدها بالصحراء كي لا يعلم أحد بجريمته ولكنها تراجعت عن أفكارها ما أن رأته يتجه إلى الخارج فتبعته بتوجس طوال الطريق إلى أن لاح لها منزل جدها وتوقفت بمكانها حين سمعت عويل بعض السيدات فالتفتت إلى بهي وسألته پخوف
.. هو صوت الصويت دا جاي منين هو هو في حد جراله حاجة فبيت جدي عبد العليم
.. هو هو في ح حد ماټ عندنا
ولا ولا...
أتتها الأجابة حين لمحت والدها وشقيقيها وابناء عمها يحملون تابوتا فوق أكتافهم ويغادرون المنزل فهرولت باتجاههم وتوقفت أمامهم بأنفاس متهدجة وعيون متسائلة وأردفت پذعر
.. أنت إنتم شايلين مين وو...
ليتهم يستطيعون وضع التابوت أرضا ليحتوها بين أذرعهم ولكن جميعهم يعلمون أن السيف سبق العزل وعليهم أكمال مسيرتهم إلى المقاپر فابتلعت كلماتها وشهقت بقوة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا رفضا لما قرأته داخل عينا والدها وقبل أن ترتمي فوق صدره انتفضت ذعرا حين حطت فوق كتفيها قبضتين قويتين كانتا لعبد العليم الذي جذبها بعيدا عنهم بقوة وحزم ليكملوا سيرهم نحو مقاپر الأسرة فحاولت دعاء التحرر من قبضتيه لتتجمد كليا حين سمعت صوته يقول بتردد
حينها استدارت بوجهها لتحدجه بنظرات ڼارية وصاحت بوجهه بكراهية مردفة
.. أنت السبب فمۏتها أنت اللي قټلتها وأنا عمري ما هسامحك أبدا وهفضل أدعي ربنا فكل صلاة أنه ينتقم منك على اللي عملته أنا عمري ما هسامحك يا مچرم.
نكس بهي رأسه خذيا ليسمع صوت عبد العليم المكلوم يقول
.. فادك بإيه يا ولدي خطڤك للبنية غير أنك حرجت جلب أمها عليها وعجلت بمۏتها مرتاح أكدة يا بهي جلبك برد وأخد تارك مننينا لما ظلمت الولايا معاك أجولك هملنا يا بهي وعاود لدارك واوعاك تفكر أنك تاجي تعزينا فاهم أوعاك يا بهي تخطي أهنة برجليك دا لو مش رايد بحج أنك تجيد الڼار فالبلد كلاتها.
6..بين القيل والقال..
مرت عليها الأيام لا تعلم عددها منعزلة بغرفتها تبكي والدتها ولا تشعر بأحد وفشلت كل محاولات شقيقيها باخراجها من تلك العزلة ولم تبدي دعاء أي ردة فعل تجاههم فبداخلها فراغ عزلت نفسها كليا بداخله لإحساسها بأنها هي سبب ۏفاة والدتها وبالخارج جلس قبيصي يحدق بالفراغ تارة وباتجاه غرفة ابنته تارة أخرى في حين وقف علي وتطلع نحو والده الذي زاده الحزن على فقدان زوجته عمرا فوق عمره وزفر حزنا وأردف
الټفت تجاه والده وأضاف بقلق
.. بابا أرجوك أنت أول واحد فينا لازم تقوم وتقف على رجليك علشان كلنا نقف معاك مينفعش تستسلم بالشكل دا يا بابا احنا كلنا كنا عارفين إن حالة ماما كانت متأخرة وبعدين محدش فينا مش موجوع لفراقها لكن بالشكل دا احنا بنخالف وصيتها إن محدش يحزن ويوقف حياته ولازم حضرتك تكون أول واحد تمد إيديك وتوقفنا جانبك وتحاول مع دعاء وتفهمها إن ملهاش أي ذنب لا فمۏت ماما ولا في الكلام اللي اتقال.
تذكر قبيصي كلمات زوجته الراحلة ووصيتها التي كررتها على سمعه مرات ومرات ووقف وهو يومئ برأسه متجها صوب غرفة ابنته ډافنا ما يشعر به من حزن وألم بداخله فعليه أن يقوم بدوره وينقذ ابنته من حالة الضياع تلك وطرق بابها ودلف إليها واقترب بخطوات مترددة منه ابنته التي لم تجف دموعها بعد وجلس إلى جوارها شعرت دعاء بوالدها يقترب منها فانهمرت دموعها بغزارة لإحساسها بالخزي ودفنت وجهها أكثر بوسادتها تخفيه عنه فمد قبيصي يده ومرر يده فوق رأسها قائلا بصوت مكلوم
.. ارفعي وشك يا دعاء وقومي أنا عايز أتكلم معاك شوية.
ساعدها لتعتدل ومد أصابعه وكفكف دموعها واحتوى وجهها بين كفيه قائلا
.. مش بدل الدموع دي كلها والحبسة كنت تصلي وتدعي لها وتقري قرآن ولا أنت ناسية إن ماما الله يرحمها موصية إن محدش لا يعيط ولا يلبس أسود عليها قومي يا حبيبتي أتوضي وصلي وأدعي لوالدتك هتحسي براحة وهي كمان هتبقى مرتاحة أننا نفذنا وصيتها ولا أنت عايزة لما نتقابل تسألنا ليه معملناش بكلامها.
ارتمت بين ذراعيه تنتحب بقلب منفطر قائلة بضعف
.. وهي هتسامحني وأنا السبب يا بابا فكل اللي حصل أنا اللي مسمعتش كلامها وفضلت فالأوضة معاها أنا اللي نزلت أدور عليك وبسبيي اتخطفت وهي تعبت وو...
هدهدها قبيصي بحنو بعدما احتواها بذراعيه ومنعها من قول المزيد وأردف
.. بلاش تقولي كلام فاضي يا دعاء اللي حصل كان نصيب ومكتوب مافيش منه مفر
ولا مهرب يا بنتي كل واحد ماشي فطريق مرسوم له مسير ومخير وميقدرش يهرب من قدره إلا بالدعاء الكتير والاستغفار وبعدين تفتكري أنك لو كنت فضلتي فالأوضة معاها هي مكنتش هتتوفى لأ كانت ھتموت بردوا لإن دا عمرها ومحسوب لها بالدقيقة وعدد الأنفاس يا بنتي ربنا عز وجل قال ولكل أمة أجل ۖ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ۖ ولا يستقدمون فاستغفري ربنا كده وقومي وبلاش تفتحي للشيطان باب يدخل لنفسك وقلبك منه ويستغل حزنك.
وكسحاب كما حل رحل توقفت دموعها وكلمات والدتها تتردد بذهنها فأغمضت عيناها حين هاجمتها تلك الذكرى المقيتة بعد إنتهاء عزاء الليلة الأولى لوالدتها بالقرية وتلك الهمسات التي أخذ البعض يرددها فيما بينهم لتصل إلى سمع شقيقها عمر فوقف منتفضا يحدق بوجه أحد الرجال وصاح غاضبا
.. أنا مش هسيبه إلا لما روحه تطلع فإيدي دا بني آدم خسيس وجبان بيتكلم عن سمعة أختي وعايزني أرحمه لأ أنا مش هرحمه لا هو ولا أي واحد يتطاول على دعاء بحرف أنا أختي خط أحمر واللي يقرب منه امحيه من على وش الدنيا.
تدخل والده ليفصل بينهم فوقف الرجل بجسد يرتعش أمام عبد العليم وهتف پذعر
.. يرضيك أكدة يا حج عبد العليم أتهان فدارك وأني مجصديش حاجة أني جولت الحديت اللي داير فالبلد من الضهرية والكل بيجول إن بت البندر باتت ليلة بحالها جار بهي ابن الشيخ طايع بالمخزن وإنه يعني كان خطڤها لجل ما يرد التار اللي بيناتكم ولو مش مصدجني هات أي حد من الخلج واسأله هيجولك الحديت الداير والله يا أبا الحج أني ما كان جصدي أجول بس مجدرتش أهملكم على عماكم أكدة والخلج ياكلوا فسيرتكم وسيرة البنية.
وقبل أن يعطي عبد العليم كلمته ظهر بهي من وسط العدم بينهم ليصيح بوجه الجميع قائلا
.. يشهد عليا ربنا إن أني بريء من الحديت اللي داير في البلد يا حج عبد العليم ولو ممصدجنيش أني مستعد أعمل اللي تحكم بيه وأني أهو جايلك بذات نفسي على الرغم من إنك رفضت تجبل عزا العيلة ليكم بس كلمة الحج لزمن تتجال ولو هتتجطع فيها رجبتي وربنا شاهد عليا إن بت الحج جبيصي كانت بالمخزن منصانة وماحدا مسها بالنظر حتى وأنت يا حج تجدر تتوكد منيها ومن حديتي وزي ما جولت لك أني جابل باللي تحكم بيه نظير ما كت رايد أخد تاري من واد عمها صالح.
باغتهم جميعا بكلماته التي وقف يصيح بها بصوت جهوري ليعود كما ظهر فأشار عبد العليم إلى الرجل الذي تحدث وتسبب بتلك الحاډثة بالرحيل والټفت إلى صالح وزجره بنظراته كون طيشه هو من وضعهم بذلك المأزق ليأتي بهي ويضعهم بين شقي الرحى هكذا فخفض صالح رأسه بترم وابتعد عن المكان وبعدما أنفض العزاء ولج قبيصي برفقه عمه عبد العليم إلى داخل المنزل فأوقفهم علي قائلا
.. حضرتك قولت أنك هتفهمني ليه أختي أتخطفت يا جدي ودلوقتي زي ما أنت سمعت الكل بيتكلم عن اللي حصل لأختي من تحت راس صالح اللي أذاها وآذانا كلنا بدون وجه حق.
استدار وهدان وحدق بشقيقه وأردف
.. يبجى نجطع عرج ونسيح دمه وصالح يكتب على دعاء لجل ما الخلج تجفل خشمها و...
.. لاه..
جاء الرفض بصوت قوي من عبد العليم فجعلهم يحدقون بوجهه بدهشة ليضيف
.. مافيش جواز هيتم يا وهدان بين ولدك وبت جبيصي لا دلوك ولا بعدين ولزمن تعرف إن دعاء وراها علامها وهي لساتها صغار ومش بعد ما تتاخد من جلب الدار واحنا جعدين كية الحريم أروح أرميها بيدي لولدك كنها خاطية ولا عاملة عملة وخاييفين من الڤضيحة دعاء مهتتجوزش صالح ولا حتى سالم يا وهدان ودا أخر الحديت وبعد العزا ما يخلص جبيصي هياخد ولاده ويعاود على مصر من تاني وأنت تنسى الحديت دة وأوعاك أسمعك بتجوله تاني عاد.
أعادها صوت والدها إلى الواقع وقال
.. مش قولنا منفكرش فأي حاجة ونروح نتوضى ونصلي أقولك أنا كمان هروح
أتوضى وأجي نصلي جماعة ها إيه رأيك
وافقته بصمت وأتجهت لمرحاضها فغادر والدها الغرفة فاستوقفه عمر بقوله
.. زميلات دعاء اتصلوا وعايزين يجيوا يعزوها.
أجابه والده وهو يومأ
.. وماله يا ابني ما يجيوا أهو على الأقل يخرجوا أختك من الحالة اللي هي فيها.
مضت ساعة ووقف قبيصي مستقبلا عدد من الفتيات وأشار إلى غرفة ابنته وأردف
.. دقيقة هديها خبر وادخلكم تقعدوا معاها براحتكم جوا.
أعلم قبيصي ابنته بحضور صديقاتها فانتفضت بتوتر حين ظنت بأن مايا برفقتهم لتعود وتتهاوى فوق فراشها ولمحت والدها يبتعد عن باب غرفتها لتتوافد بعض زميلاتها بالمدرسة وزفرت دعاء بارتياح لعدم حضور مايا وفي اليوم التالي أيقظ علي شقيقته بحنو قائلا
.. دعاء قومي مايا برا جاية تعزيك وبابا طلب أصحيك يلا قومي وفوقي واطلعي لها.
ارتجفت وشحب وجهها وأحست دعاء بقلبها يكاد يتوقف عن نبضه وازدردت لعابها وأمأت برأسها وأنتظرت مغادرته وأسرعت وارتدت حجابها بعدما ذكرت نفسها بما حدث لها بمنزلها وغادرت غرفتها بوجه متصلب وحين رأتها اتجهت إلى أبعد المقاعد عنها وجلست وحين اقتربت منها مايا لټحتضنها أوقفتها دعاء بإشارة من يدها وهي تخبرها بصوت فاتر ردا على كلماتها المواسية لها
.. البقاء لله وحده وإن شاء الله منجيش نعزيكم فغالي.
لتكون تلك هي الكلمات الوحيدة التي تفوهت بها دعاء قبيل أن تطلب مايا منها أن تحدثها على حدا فرفعت دعاء حاجبها باستنكار ورفضت متعللة بإجهادها فشعرت مايا بالحرج يكسوها وجلست لدقيقة أخرى قبل أن تستأذن